فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال دروزة:

سورة الكوثر:
في السورة بشرى وتطمئن للنبي صلى الله عليه وسلم وتنديد بمبغضيه. وقد روي أنها مدنية ومضمونها وأسلوبها يلهمان مكيتها وهو ما عليه الجمهور.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الكوثر: الآيات 1- 3]
{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.
(1) {الكوثر}: على وزن فوعل: الكثير جدا. وقيل إنه نهر في الجنة. وأوّل ابن عباس الكلمة بالخير الكثير.
(2) {انحر}: اذبح الضحية، وقيل: ارفع يدك إلى نحرك. والمعنى الأول أوجه وعليه الجمهور.
(3) الشانئ: المبغض أو العدو.
(4) {الأبتر}: المقطوع وهنا بمعنى مقطوع النسل.
الخطاب في الآيات موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبيل البشرى والتطمين. فقد أعطاه اللّه الكوثر، فعليه أن يصلي لربه ويقرب إليه القرابين شكرا. ويتأكد أن عدوه ومبغضه هو الأبتر.
وقد روى المفسرون أن وائل بن العاص أو عقبة بن معيط قال علي أثر وفاة عبد اللّه بن النبي صلى الله عليه وسلم: إن محمدا أبتر، فإذا مات انقطع ذكره واسترحنا منه، فأنزل اللّه السورة.
ومضمون الآيات وروحها يلهمان صحة الرواية ويلهمان أن قول الكافر ونعته النبي صلى الله عليه وسلم بالنعت المؤذي قد أثارا في نفسه أزمة، فأنزل اللّه السورة ترد عليه وتحمل البشرى والتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم بالأسلوب القوي الذي جاءت به حيث تقول له إن اللّه قد أعطاه الكوثر ومن أعطي الكوثر فلن يكون أبتر وأن مبغضه المقطوع من رحمة اللّه لهو الحري بهذا النعت وعليه أن يشكر اللّه بالصلاة وذبح القرابين تقربا إليه.
ومما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستغرقا في النوم فأفاق ضاحكا مستبشرا ثم قال: «نزلت على هذه السورة». وهذه الرواية لم ترد في كتب الصحاح. وإن صحت ففيها صورة من صور الوحي القرآني. وهناك رواية تذكر أن السورة نزلت يوم الحديبية بسبيل التنويه بما تم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك اليوم من الفتح وبشرى وأمر بالصلاة ونحر الهدي في الحديبية. وكان إذ ذاك عيد الفطر، ولم ترد هذه الرواية في كتب الصحاح ولا في كتب السيرة القديمة التي روت تفاصيل يوم الحديبية. على أن جمهور الرواة والمفسرين على أن السورة مكية ومن السور المبكرة جدا في النزول.
وقد تعددت الأقوال في معنى الكوثر وفي المقصود من الصلاة والنحر. ففي صدد الكوثر روى البخاري والترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لمّا عرج بي إلى السماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوّفا فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر».
وروى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها سئلت عن قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر} [1] فقالت: «نهرا أعطيه نبيّكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه درّ مجوّف آنيته كعدد النجوم».
وروى الترمذي وأبو داود عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ قلت للملك ما هذا قال هذا الكوثر الذي أعطاكه اللّه ثم ضرب بيده إلى طينه فاستخرج مسكا ثمّ رفعت لي سدرة المنتهى فرأيت عندها نورا عظيما».
وروى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدرر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج». وإلى جانب هذه الأحاديث التي رواها الطبري بنصوصها أو نصوص مقاربة أورد هذا المفسر أقوالا رواها عن رواة عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير من علماء أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتابعيهم تذكر أن معنى الكلمة الخير الكثير الذي أعطاه اللّه لنبيه والنبوة والحكمة والقرآن..
ومما أورده الطبري أن سائلا سأل سعيد بن جبير عن معناها فلما قال له الخير الكثير قال السائل كنا نسمع أنه نهر في الجنة؟ فقال: هو الخير الكثير الذي أعطاه اللّه لنبيه وفي رواية أخرى أنه نهر وغيره....
فيمكن والحالة هذه أن يقال إن ابن عباس وتلامذته لم يثبت عندهم تلك الأحاديث ففسروا الكلمة بهذه التفسيرات الوجيهة المتسقة مع ظروف الدعوة الأولى التي كان يلقى النبي فيها المواقف الشديدة فتقتضي حكمة التنزيل تثبيته وتطمينه وتذكيره بما أنعم اللّه عليه من نعم عظمى وحثه على التقرب إليه بالصلاة والشكر مما تكرر في السور السابقة.
ومما يلحظ أن ترتيب هذه السورة سابق على سورة النجم التي تروي مشاهد الإسراء والمعراج في سياق آياتها الأولى. وقد يكون في هذا تدعيم لذلك التفسير والتوجيه.
ولقد جمع سعيد بن جبير مع ذلك في جوابه بين القولين. وقد يكون في هذا توفيق موفق واللّه تعالى أعلم.
وأما الصلاة والنحر فليس فيهما حديث صحيح. وقد قيل إن الصلاة هي صلاة الفجر يوم عيد النحر كما قيل إنها صلاة ذلك العيد وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر في الآية بنحر القربان عقب الصلاة على اختلاف الوقتين المرويين. وهناك من قال إنهما أمران مطلقان للنبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والتقرب إليه بالقرابين شكرا على نعمه الكثيرة التي والاها عليه. كما أن هناك من قال إنها تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون صلاته ونحره للّه وحده إذا كان قومه يصلون وينحرون لغيره وقد أعطاه الخير الكثير.
ونحن نميل إلى ترجيح أحد القولين الأخيرين واللّه أعلم. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

(108) سورة الكوثر:
نزولها: مكية.
نزلت بعد سورة العاديات.
عدد آياتها: ثلاث آيات.
عدد كلماتها: عشر كلمات.
عدد حروفها: اثنان وأربعون حرفا.
مناسبتها لما قبلها:
في سورة (الماعون)، توعد اللّه الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤدّون الزكاة لأنهم مكذبون بالدين، غير مؤمنين بالبعث والحساب، والجزاء- توعد اللّه سبحانه هؤلاء، بالويل والهلاك، والعذاب الشديد في نار جهنم..
وفى مقابل هذا، جاءت سورة الكوثر تزفّ إلى سيد المؤمنين باللّه واليوم الآخر، هذا العطاء الجزيل، وذلك الفضل الكبير من ربه.. ومن هذا العطاء، وذلك الفضل، ينال كلّ مؤمن ومؤمنة نصيبه من فضل اللّه، وعطائه على قدر ما عمل..
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 3) [سورة الكوثر (108): الآيات 1- 3]
{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
التفسير:
{الكوثر}: مبالغة في الكثرة، والمراد بالكثرة هنا، الكثرة في العطاء من الخير والإحسان، والخطاب هنا للنبى صلوات اللّه وسلامه عليه.
والمراد بهذا الخبر هو التنويه بمقام النبي الكريم عند ربه جلّ وعلا، وبرضاه عنه، ذلك الرضا الذي لا حدود له، والذي تملأ القطرة منه وجوه الوجود، بشاشة، ومسرّة، وإسعادا..
وفى إطلاق لفظ الكوثر، دون قيده بنوع، أو قدر- إشارة إلى تناوله كل ما هو خير، وبلوغه إلى ما لا يعرف له نهاية أو حدّ، كما أنه إشارة أخرى إلى أنه خير، وخير مطلق، مصفّى من كل شائبة، خالص من كل كدر.. ذلك أنه عطاء، والعطاء لا يكون إلا مما هو خير، وإحسان، فكيف إذا كان عطاء من يد اللّه سبحانه وتعالى؟.. إن صفة هذا العطاء هي من صفات المعطى جلّ وعلا.. فلا تسل بعد هذا ما يكون هذا العطاء! {هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ}.. وإنه لحسب المؤمن إذا دعا ربه أن يقول: «اللهم أعطنى، ولا تحرمنى».. فإذا اللّه دعاءه، فليسعد السعادة كلها بما أعطى من عطاء ربه! فاللهم أعطنا ولا تحرمنا، واللهم استجب لنا ولا تردنا، فأنت خير من أعطى، وأكرم من سئل.. ولعلك تسأل: وماذا أعطى النبي الكريم؟.
لقد أعطى اللّه سبحانه وتعالى النبي الكريم خير ما أعطى عبدا من عباده.. وحسبه أنه خاتم النبيين، وحسبه القرآن الذي كمل به دين اللّه، وتمت به شريعته، وحسبه الدعوة التي قام عليها، وبلغ بها غايتها، وأقام بها دين اللّه في الأرض، وغرس مغارسه في مشارقها ومغاربها.. وحسبه أن رفع اللّه تعالى ذكره في العالمين إلى يوم الدين. وحسبه أن أسرى به مولاه إلى السموات العلا، واستضافه في الملأ الأعلى، وأراه من آيات ربه الكبرى..
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك وَوَضَعْنا عَنْكَ وزرك الَّذِي أنقض ظهرك وَرَفَعْنا لَكَ ذكرك}..
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فآوى وَوَجَدَكَ ضالا فهدى وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى}..
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (113: النساء)..
{ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى}.. هذا بعض ما أعطى اللّه سبحانه نبيّه الكريم، وإنّ عطية واحدة من هذه العطايا لنملأ الدنيا كلها خيرا وبركة، وتسع الناس جميعا سعادة ورضا! وهذا هو ميزان الرسول الكريم عند ربه، دون الناس جميعا.. وإنه ميزان ليرجح كل ما أعطى الناس من جزيل عطايا اللّه سبحانه وتعالى ومننه.. فكل ما أعطى الناس بعد هذا، أو قبل هذا، من مال وبنين، ومن علم ومعرفة، ومن هدى ونور، وكل ما أصابوا من خير مادى أو معنوى- هو من بعض هذا الذي أعطى رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه.. فما أعظم هذا الغنى وما أطيبه، وما أبقاه وأخلده..
{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى} (131: طه) وهل يلتفت رسول اللّه بعد هذا إلى ما عند الناس مما رزقهم اللّه من مال وبنين؟ وهل يرى شيئا من حطام الدّنيا يجرى مع هذا الذي أعطاه اللّه، ويأخذ له مكانا فيه؟ وهل تشتهى نفس بين يديها مائدة حافلة بطيب الطعام، وصنوف المآكل، إلى فتات في مزبلة يتداعى عليها الذباب؟
وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
الفاء هنا للسببية، والتعقيب على هذه البشرى المسعدة التي شرح سبحانه وتعالى بها صدر النبي الكريم، وملأ قلبه بها سعادة ورضا.. وإذن فليشكر ربّه، وليسبح بحمده، عرفانا بهذا العطاء الجزيل، وتقديرا لقدره.. والصلاة، هي أفضل القربات إلى اللّه، وأعظم وسائل الزّلفى إليه، والولاء له.. واللام في قوله تعالى: {لربك} لام الملكية، أي صل الصلاة للّه وحده، واجعلها خالصة له سبحانه، لا يدخل عليها شيء من الغفلة، أو الاشتغال بغير اللّه..
وقوله تعالى: {وانحر} أي أطعم الفُقراء والمساكين.. فهذا من الزكاة التي هي أخت الصلاة.. وقد اختلف المفسرون في هذه الصلاة: أهي صلاة عيد الأضحى، أم هي الصلاة على إطلاقها.. وكذلك اختلفوا في النحر، وهل هو ما ينحر من الأضاحى، يوم عيد النحر، بعد الصلاة، أم هو النحر إطلاقا؟ والأولى عندنا أن تكون الصلاة مطلقة، لا يراد بها صلاة عيد الأضحى، بل المراد بالأمر بها المداومة عليها ولو كانت صلاة عيد الأضحى، لخفّ في مقابلها وزن هذا العطاء الجزيل الذي أعطاه اللّه نبيه، في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}.. فصلاة عيد الأضحى ركعتان لا غير في كل عام.. ثم إن صلاة العيد هذه ليست فرضا، وإنما هي سنة!! فهل هاتان الركعتان تتوازنان مع هذا العطاء الجزيل، وهل يقومان بواجب الشكر عليه؟
فالمراد بالصلاة إذن هي الصلاة مطلقة في فرائضها، وسننها.. ونوافلها.. وهى صلاة تكاد تكون مستغرقة معظم الأيام والليالى مدى العمر.. وهذا ما يمكن أن يكون في مقام الحمد والشكر على ما أعطى النبي الكريم من ربه، هذا العطاء الجليل الكثير، الذي لا حدود له.. وعلى هذا، فالقول بأن المراد بالنحر، هو نحر الأضحية بعد صلاة العيد، قول متهافت، وأولى منه أن يراد به مطلق النحر، وأن يراد بمطلق النحر، إطعام الفُقراء والمساكين، وأن يراد بإطعام الفُقراء والمساكين الزكاة، إذ كان من بعضها ما يطعم منه الفُقراء والمساكين.. وعبّر عن إطعامهم بما ينحر من ذبائح، لأن ذلك خير ما يطعمونه إذ كان اللحم هو الطعام الذي يتشهاه الفُقراء والمحرمون، ولا يجدون سبيلا إليه، وإن وجدوا السبيل إلى لقمة العيش!! وقوله تعالى: {إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}.
الشانئ: هو المبغض، والمعادى، والمتجنب لمن يبغضه ويعاديه..
و{الأبتر}: المنقطع عن كل خير، المحروم من كل ما فيه غناء ونقع..
وشانئ النبيّ، هو المكذّب له، الكافر بما يدعو إليه من الإيمان باللّه، واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرضى اللّه، ويقرّب العبد من رحمته، فيخلص بهذا من عذاب الآخرة، وينجو من أهوالها وشدائدها..
وشانئ النبي، محروم من كل خير، منقطع عن موارد الهدى والنور، فهو إلى ضياع وهلاك، وإلى عذاب جهنم خالدا فيها أبدا.. إن شانئ النبي ومبغضه مصروف عن الإيمان باللّه، واليوم الآخر.. وحسبه بهذا هلاكا وضياعا، وحرمانا من كل خير..
هذا هو حظ شانئ النبي ومبغضه، في كل زمان ومكان.. إنه البعد عن كل خير، والحرمان من كل طيّب، ثم العذاب الأليم في نار جهنم..
والروايات التي تحدّث عن أن هذه السورة نزلت في العاص بن وائل، أو عقبة بن أبى معيط، أو أبى جهل، أو أبى لهب، وأنهم كانوا يعيّرون النبي صلى الله عليه وسلم بموت ولديه، القاسم، وعبد اللّه، وأنه لا نسل له غير هما من الذكور، وأن عقبه قد بتر وانقطع- هذه الروايات إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن نزول هذه السورة الكريمة، كان في هذا الوقت الذي تتحدث به قريش بهذا الحديث المنكر، وأن ذلك كان مناسبة جاءت في وقتها، لا أن هذا الحديث كان سببا باعثا لنزولها، إذ كانت محامل السورة أعظم قدرا، وأكبر شأنا، من أن تلتقى مع هذا الحديث عن الولد، وحفظ النسل به، وإن كان ذلك مما تعنزّ به قريش، وتحرص عليه. اهـ.